سورة آل عمران - تفسير التفسير القرآني للقرآن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)}.
التفسير:
الصلة التي ينبغى أن تقوم بين المؤمنين، هى صلة أخوة ومودة، دون نظر إلى لون أو جنس أو وطن.. فقد جمعهم الإسلام في نسب يعلو على نسب الدّم والجنس والوطن.
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [10: الحجرات] وإنه لمن قلب الأوضاع أن ينعزل المؤمن بشعوره هذا من المودة والأخوة عن إخوانه المؤمنين، وينحاز إلى الكفار، يعطيهم ولاءه ومودته وأخوته.
والإسلام الذي يدعو إلى الحبّ والسلام.. إذ يدعو أتباعه إلى التراحم والتواد والتآخى فيما بينهم، لا يجعل ذلك على حساب الصلات الأخوية التي ينبغى أن تكون بين المسلم وبين سائر الناس.. وفى هذا يقول اللّه تعالى في وصايته للمسلمين، في تحديد صلتهم بغير المسلمين: {لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [8، 9: الممتحنة] فما بين المسلم وغير المسلم هى صلات إنسانية، فيها المودة والألفة والإحسان، إلّا أن يقع بين المسلم وغير المسلم قتال في سبيل الدين، ومن أجل الدين.. عندئذ ينبغى ألا يعطى المسلم ولاءه لمن قاتله في دينه، فذلك خيانة لدينه، فوق أنه خيانة لنفسه ولجماعة المسلمين معه.
وفى قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} نهى عن أن يكون ولاء المؤمن كلّه للكافرين في الوقت الذي لا ولاء بينه وبين إخوانه المؤمنين، فذلك يقطع صلته بأهل الإيمان والتقوى، على حين يدعم صلته بأهل الإلحاد والكفر، وليس يأمن مع هذا أن تنضح عليه آثار الإلحاد والكفر، وأنه كلما مضى الزمن به كلما ازداد من الإيمان بعدا، وازداد من الكفر قربا.
وقوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} أي بعد عن اللّه، وقطع صلته به، إذ بعد عن المؤمنين وقطع صلته بهم، وقرب من الكفر ووثق صلته بالكافرين.
وقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً} استثناء وارد على النهى عن مولاة الكافرين، وهو أنه لا بأس- في ظروف خاصة قد يضطر فيها الإنسان إلى أن يوالى غير المؤمنين- لا بأس أن يفعل الإنسان ذلك، ولكن شريطة أن يكون ذلك لدفع مكروه محقق، عنه أو عن جماعة المسلمين، على أن يكون ذلك موقوتا بوقته، محكوما بظروفه، ينتهى متى مضى الوقت، وتغيرت الظروف، فيعود إلى ولائه الكامل للمؤمنين.
فإذا قامت بينه وبين غير المؤمنين صلة، فلتكن بحساب وحذر!


{قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30)}.
التفسير:
بعد أن ذكر القرآن الكريم التحذير من موالاة الكافرين، وأباح ذلك في أحوال وظروف خاصة- أشار هنا إلى أن المعتبر في هذا الموقف هو ما انعقد عليه قلب المؤمن من إيمان، وهو في تلك التجربة التي اضطرته الظروف فيها إلى مولاة الكافرين.. فقد أباح الإسلام التقيّة وهى أن يتقى المسلم أذى المشركين بكلمة أو فعل، ليدفع عنه أذاهم، دون أن يدخل من ذلك شيء على قلبه وما انعقد عليه من إيمان، وفى هذا يقول اللّه تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ} [106: النحل] وقوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً..}.
الظرف هنا {يوم} منصوب بفعل محذوف تقديره: اذكروا، واحذروا.
فذكر هذا اليوم، وما يلقى فيه الناس جزاء أعمالهم من خير أو شر- يخفف عن الإنسان كثيرا من ضواعط الحياة ومغرياتها، التي تحمله على التضحية بشىء من دينه في مقابل كسب مادى عاجل، أو قضاء شهوة عارضة زائلة.
وفى قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} تنبيه لأولئك الذين يتألّون على اللّه، ويمنّون أنفسهم الأمانىّ بالطمع في رحمته وغفرانه، وهم قائمون على عصيانه، ومحاربته، واستباحة حرماته، والاستخفاف بأوامره.. فهذا من الضلال الذي يفسد على المرء دينه ودنياه جميعا.. إذ لا يتفق عصيان اللّه، والتمرد على شريعته، مع موالاته والطمع في رضاه.
ونعم.. إن رحمة اللّه واسعة، ومغفرته شاملة، ولكن لأهل طاعته، والمتجهين إليه.. واللّه سبحانه وتعالى يقول: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ} [156: الأعراف] وفى قوله تعالى: {وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ} بعد قوله سبحانه {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} استصحاب لرحمة اللّه ولطفه بعباده الواقعين تحت بأسه وعذابه، وذلك مما يطمع المذنبين في عفو اللّه ومغفرته، فيرجعون إليه ويمدون أيديهم بالتوبة له، فيجدونه ربّا رحيما غفورا، أما الطمع في رحمة اللّه دون استصحاب العمل على مرضاته، بالنزوع عن مقاربة المنكرات- فذلك مكر باللّه {وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ} [54: آل عمران].


{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (32)}.
التفسير:
ومما هو مكر باللّه ما يدّعيه المدّعون على اللّه من اليهود أنّهم أبناء اللّه وأحبّاؤه، وهم في الوقت نفسه يعادون أولياء اللّه، ويشاقّون رسله، ويقتلون أنبياءه.. فكيف تصح لهم هذه الدعوى، وآخرها ينقض أولها؟
فإن المحبّ الحقيقي يحبّ كل من أحبّ من يحبّ، وإلّا فحبّه لمن أحبّ نزوة طارئة، أو دعوى باطلة.
والعداوة التي يضمرها اليهود للنبىّ، والتي تستعلن في كيدهم له ومكرهم به، لا تستقيم مع دعواهم بأنهم أحباء اللّه، فإن كانوا أحباء اللّه حقّا فليتّبعوا رسوله، وليستجيبوا لما يدعوهم إليه من كلمات ربّه.. إنهم لو فعلوا ذلك لصدقت دعواهم، ولأحبّهم اللّه حقّا، ولغفر لهم ذنوبهم، وما قطعوا من عمر طويل مع الشقاق والنفاق {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
فإن أبوا إلا شقاقا ونفاقا، فهم على دعوى باطلة.. إنهم ليسوا أحبابا للّه، بل هم أعداء محاربون له، كافرون بآياته وبرسله {فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ} وإنما حبّه للمؤمنين، فمن لبس الإيمان ظاهرا وباطنا، فهو من أولياء اللّه وأحبائه، ومن استبطن الكفر والنّفاق فهو عدوّ للّه، لا يكون محبّا ولا محبوبا.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11